05‏/11‏/2008

ماذا حصل بالرديف أيام 06 و07 و08 جوان 2008 العدد "84" من الطريق الجديد
















ماذا حصل في الرديف .....حتى وصل الأمر إلى استعمال الرصاص الحي ؟
شهدت مدينة الرديّف في الأيّام القليلة الماضية تطوّرات دراماتيكيّة شكّلت بحقّ انعطافة خطيرة في مسار تعاطي السلطة مع الحركة الاحتجاجيّة السلميّة لأهالي المدينة المعطّلين عن العمل، ولئن كان تفجّر الأوضاع قد جاء في سياق يعطي ظاهريا على الأقل الانطباع بالسير بالأمور نحو الهدوء والحلحلة فإنّ استفهامات كبيرة قد بدت محيّرة للمراقبين الذين استغربوا إطلاق السلطة يد قوّات التدخّل التي انطلقت من عقالها في تجاوزات خطيرة وغير مسبوقة دون تناسب منطقي بين الأحداث وعنف الرد مما يغلّب الطابع الانتقامي لما حصل على الطابع الردعي ...
وللوقوف على حقيقة الوضع والتعرف على أسباب هذا التدهور السريع والخطير الذي شهدته المدينة انتقلنا يوم 08 جوان إلى عين المكان. يستوقفك في مدخل البلدة حال وصولك حاجز عسكري مؤلف من حوالي 5 جنود مسلحين ومصحوبين بعون من الحرس الوطني وهو الذي يتثبت من هوية كل داخل أو خارج من المدينة . كان وصولنا في حدود الساعة العاشرة صباحا فوجدنا الطرقات مغلقة بأكوام الحجارة وآثار الإطارات المطاطية المحروقة تملأ الطرقات فيما أغلب المحلات التجارية مغلقة وأخرى باد عليها آثار الخلع والدّهم ...آليات عسكرية بجنودها المسلحين متمركزة وسط المدينة في مواقع ثابتة إلى جانب عدد كبير من سيارات فرق التدخل أمام مركز الشرطة ، أمّا المواطنون فكانوا يتحركون في مجموعات والحيرة مرتسمة على وجوههم الواجمة وقد بادرنا أول من التقيناهم بالقول في حسرة ومرارة " شوفوا الرديف واش جاري فيها ". مشهد يؤكد مدى تأثيرالأحداث الدامية التي وقعت في اليومين الأخيرين وهو ما بدأنا بالبحث في حقيقته واستجلاء تفاصيله التي نوردها فيما يلي يوما بيوم على أساس شهادات عديدة ومتواترة استقيناها ممن حضر الأحداث من الأهالي.
يظهر من خلال حديثنا مع مجموعة من شباب المدينة أن هناك إجماع على أن السلطة ومنذ انطلاق الأزمة لم تستبعد الخيار الأمني في التعامل مع الحركة الاحتجاجية بالرديف وهو ما تجلى في التواجد الأمني المكثف والمستمر منذ انطلاق الأحداث في 05 جانفي 2008 حيث لم يشعر المواطنون منذ أكثر من 5 أشهر ـ رغم تحسن الوضع في العديد من الفترات نتيجة الحوار الدائر بين لجنة التفاوض والسلطة وبعض ما تحقق من مكاسب ـ بتخفيف التواجد الأمني الذي بقي على حاله بل ازداد كثافة ـ حسب البعض ـ وقد أكد العديد ممن التقيناهم أن سلوك هذه الفرق الأمنية ازداد توترا في المدة الأخيرة فأصبحوا أكثر عدوانية تجاه المواطنين خاصة في الليل . فقد حدثنا الكثير عن الإهانات المادية والمعنوية التي طالت كل من صادف وتقاطع معهم في شوارع المدينة ليلا وقد اعتقل العديد من المواطنين أثناء هذه الدوريات فساد شعور لدى الأهالي بأنهم يعيشون في حالة طوارئ ومنع جولان غير معلن وهو ما زاد في حالة الاحتقان وعمّق شعور العداء لدى المواطنين تجاه فرق التدخل بالذات .
يوم الخميس 05 جوان 2008 :
الشرارة : إضرام النار في إطارات مطاطية
الشاب (م. فجراوي) ـ وهو معروف لدى السلطة ووقعت مطاردته من طرفها ـ يغلق الطريق بالحجارة في مستوى مدخل البلدة على بعد 200م من المستشفى المحلي ثم يشعل النار في إطارات مطاطية جلبها بصفة فرديّة احتجاجا على عدم تمكينه من بعث شركة مناولة على غرار أصحاب الشهادات العشر الذين مكنوا من بعث هذا الصنف من الشركات ، رغم أنه لا يحمل شهادة جامعية. فكانت هذه الحادثة ـ التي أدانتها لجنة التفاوض ونشطاء الحركة ـ الشرارة التي أطلقت العنان لأعوان الأمن للتدخل بكل عنف حيث تجاوز تدخلهم فتح الطريق و إزالة العوائق وبلغ إلى حالة من المواجهة بينهم وبين أهالي حي مدخل البلدة و"الملاجي" استعملت فيها القنابل المسيلة للدموع . وسرعان ما انتشرت هذه المواجهة لتشمل جل الأحياء وتواصلت إلى حدود الساعات الأولى من الليل.
يوم الجمعة 06 جوان 2008 :
مداهمات عنيفة للمنازل والمتاجر... فإطلاق النار
في ساعات الصباح الأولى ، تمت مداهمة العديد من المنازل بحثا عن أسماء بعينها . وقد أظهر لنا السيد طارق حليمي عضو النقابة الأساسية للتعليم الأساسي آثار الضرب على ظهره ذاكرا أنه وقع إقتحام منزله ومنزل والدته الكائن بحي الحلايمة على الساعة الخامسة صباحا من طرف عشرات من قوات التدخل الذين حاصروا المنزلين وتسلقوا الجدار وخلعوا الأبواب بحثا عن أحد أفراد العائلة الذي لم يكن متواجدا حينها بالمنزل وقد تم الاعتداء كذلك على والدته المسنة السيدة ياسمينه تيلاوي بالضرب والركل كما تمت مداهمة منزل السيد بوجمعة الشريطي عضو النقابة الأساسية للصحة والكاتب العام المساعد بالإتحاد المحلي للشغل بحثا عن ابنه ، وهو المشهد الذي تكرر في أكثر من مكان وعلى أكثر من منزل. وقد أفاق العديد من أصحاب المتاجر على خبر خلع ونهب دكاكينهم وانتشر الخبر ووجهت أصابع الإتهام إلى فرق التدخل المسيطرة على السوق وللعلم ولمن لا يعرف مدينة الرديف فإنّ السوق هو مركز المدينة وبه نجد مقرات المعتمدية والبلدية ومقرّ التجمع الدستوري الديمقراطي ومركز الشرطة ومكاتب العمد وهو ما يؤكد حسب العديد ممن تحدثنا إليهم أن عمليات الخلع والسطوعلى المتاجر قد تكون تمت من طرف أعوان فرق التدخل. وقد حدثنا البعض عن مشاهداتهم لمثل هذه الأعمال من أسطح المنازل وشرفاتها مؤكدين هذا الإدعاء وقد زوّدنا أحدهم بصور تثبت حسب رأيه هذا القول .
أمام هذه التجاوزات حاول المواطنون التجمع أمام مقر الإتحاد المحلي للشغل للإحتجاج على الممارسات الأمنية وللمطالبة بخروج فرق التدخل من المدينة ومحاسبتها على ما اقترفته باعتبارها أصبحت جزء من الأزمة ـ حسب محدثنا ـ لكن هذه الخطوة قوبلت بالقنابل المسيلة للدموع وبدرجة كبيرة من العنف فعادت المواجهات .
سقوط القتيل الثاني...
أقدمت قوات الأمن على إطلاق الرصاص الحي على المحتجين وبدون سابق إنذار حسب ما صرح به كل من سألناه فكانت الحصيلة وفاة الشاب الحفناوي بن رضا الحفناوي مغزاوي 22 سنة وإصابة 26 مواطنا بطلقات نارية مباشرة . ( أنظر قائمة الجرحى ) .
هذا وقد توزع الجرحى على مستشفيات الرديف ، قفصة وصفاقس حسب خطورة الإصابة.
وقد أعلمنا الشاب رياض بن محمد بن حسن أن عملية القتل تمت بالقرب من منزل الشهيد الذي أدخل إلى منزل جيرانه بعد إصابته وقد صرّح لنا رياض أنه قد دخل المنزل وقد وجد الشاب ملقى على بطنه ودمه ينزف وقد شاهد ثقبا كبيرا على مستوى الجهة اليسرى من الظهر وبإدارته لمحاولة إسعافه شاهد ثقبا صغيرا على مستوى الصدر وهو ما يؤكد حسب رأيه أن الإصابة كانت من الأمام وليس من الخلف كما ذهب البعض . كما أكد لنا أنه أعاد إخراجه من المنزل وطلب من الأمن القدوم لإسعافه فرفضوا وطلبوا منه أن يحمله مع شاب آخر فقط ويتقدما به . وهو ما تم ،ووضعوه في سيارة الأمن وانطلقوا به . وبسؤالنا عن "المولوتوف " وما إذا كان الشاب يحمل أي زجاجة حارقة جاءت الإجابة قاطعة بالنفي من كل من حضر هذا الحوار ـ حوالي عشرة من شباب المدينة ـ وقد نفوا كلهم استعمال زجاجات حارقة يوم 06 جوان مؤكدين على الطابع السلمي لاحتجاجاتهم وعلى أنه لم يقع إنذارهم قبل استعمال الرصاص ـ كما جاء في البلاغ الرسمي ـ بل شدد الكثير منهم على أن أعوان الأمن كانوا يلاحقون المحتجين ويقتنصونهم وهم بعيدون عن وسط المدينة أي أنهم لم يكونوا مصدر تهديد لأحد وقد ذكروا لنا بعض الأماكن التي أصيب فيها بعض الجرحى وهي بعيدة عن ساحات الاحتجاج.
قائمة الجرحى
طارق جريدي ( إصابة في مستوى أسفل البطن الجانب الأيسر )، حسين بن محمد الدقاشي ( إصابة في الرجل اليمنى ) ، كمال بن إبراهيم ( إصابة في يده اليمنى ) خالد رحالي ( إصابة في الرجل اليمنى ) ، الطيب خليفي ( إصابة في اليد اليسرى ) ، عبد الخالق بن أحمد ( إصابة بالفخذ ) ، محمد بن الطاهر خليفي ، اسماعيل رحالي ، طارق حليمي ، نعيم بن عبد الله ، محمد عبيدي ، خالد التواتي ، هاشم بن ابراهيم بن رزق ، اجموعي بن جاب الله ، بوعلي حليمي ، وسام كرامتي ، محمد بن عبد الله ، ماهر طبابي ، حبيب طبابي ، علي طبابي ، أحمد التواتي ، عبد القادر بن عبد الله ، حلمي الربيعي ، محمد هاروني ، محمد عشيري ، مصطفى لشخم
يوم السبت 07 جوان 2008 :
الجيش يتمركز بين المواطنين وقوات الأمن
تواصلت المداهمات حيث أعلمنا السيد الطيب بن عثمان عضو النقابة الأساسية للتعليم الأساسي وأحد نشطاء الحركة أن قوات غفيرة من الأمن داهمت حوالي الساعة الخامسة صباحا منزل والده عبد الرحمان بلسود خليفي الكائن بحي القوافل ووقع الاعتداء على كل من فيه وقد فوجئ المواطنون بنزول الجيش وتمركزه بالمدينة وهو ما أدخل نوعا من الأمل في التخلص من تواجد قوات التدخل التي لم يعد تواجدها مقبولا حسب رأي الأهالي بعد ما نسب إليهم من تجاوزات ولكن سرعان ما تلاشى هذا الأمل إذ لم يلاحظ أي انسحاب لقوات الأمن فحاول المواطنون التجمع والاحتجاج ولكن قوبلوا بنفس الأسلوب فانسحبوا من وسط المدينة وتجمعوا أمام منزل الشاب الشهيد بعد الظهر حيث شيع الجثمان في موكب لم تشهده المدينة من قبل من حيث العدد والشعارات المرفوعة ورغم الخوف من ردود الفعل أثناء أو بعد الجنازة والاستعدادات الأمنية الكبيرة فإن موكب الدفن تم في كنف الهدوء ولم يسجل أي حادث . وقد وقعت مواجهات بين قوات الأمن وبعض شباب حي الملاجي أثناء تغيير الدوريات في الصباح الباكر وهو الحادث الذي تكرر أكثر من مرة وفي نفس الزمان والمكان .
ماذا عن امتحان البكالوريا ؟
علمنا أن الأجواء لم تكن طبيعية يومي 5 و6 جوان أثناء إجتياز إختبارات الباكالوريا وأن الغازات المسيلة للدموع وصلت إلى معهد 02 مارس وقد أثر ذلك على التلاميذ . كما تسببت هذه الأحداث في حرمان بعض التلاميذ من مواصلة اجتياز الإختبارات وهو ما وقع للتلميذ فيتوري بن الهادي الكوك الذي تعرض في اليوم الثاني للإمتحانات أثناء ذهابه إلى المعهد إلى الإعتداء من طرف قوات الأمن انجر عنه كسرا في يده فنقل إلى مصحة خاصة بقفصة وهكذا حرم من مواصلة إجتياز الإختبارات كذلك صرح لنا الشاب مظفر عبيدي ابن عضو لجنة التفاوض السيد بشير لعبيدي أنه لم يذهب في اليوم الثالث للمعهد لمواصلة اختبارات الباكالوريا خوفا من اعتقاله حيث لم يعد يشعر بالأمان من جراء ما شاهده ، عينتان تمكنا من الوقوف على حقيقتيهما .
يوم الأحد 08 جوان 2008
تواصل المداهمات والمطاردات
أطراف عديدة ممن تحدثنا إليهم أكدوا تواصل مداهمات المنازل رغم وجود الجيش الذي بقي متمركزا وسط المدينة ومداخلها وبجانب المؤسسات مثل إدارة شركة فسفاط قفصة وقد بدأ عدد المواطنين المتواجدين بالسوق يرتفع وهو ما أفادنا به السيد ع ـ مرابط ذاكرا أن عقيدا في الجيش خاطب الجمهور الحاضر من خلال مضخم صوت ومن أمام مسجد الحبيب بورقيبة حولي الساعة الحادية عشر طالبا منهم الانسحاب من وسط المدينة قائلا " أنه لا يمكن إملاء شروط على الدولة " " مش معقول قرية أو مدينة تتمرد على النظام " " بيدكم أن تهدئوا الوضع " عندها انسحب المواطنون وازداد تواجد الفرق الأمنية إلى أن أغلق وسط المدينة تماما ولازم الأهالي أحياءهم .
إننا نؤكد من خلال معاينتنا المباشرة أن حالة من الرعب والتحسب من الاعتقال سائدة لدى كافة شباب الرديف الذي اتخذ من الجبل ملجأ له في الليل بعد أن فقد الأمان في البيوت المهددة ـ حسب رأيهم ـ بالمداهمة في كل وقت .ظاهرة غريبة نعتقد أن المواطنين دفعوا إليها من خلال ممارسات الأمن ، كما نشير إلى نقص الخبز والخضر الذي عانت منه البلدة طيلة أيام 6 و 7 و 8 جوان والناتج عن "الإضراب العام" الذي فرض على الأهالي ولم يكن ناتجا عن قرار إرادي وهو ما أكدته لجنة التفاوض.
يوم الإثنين 09 جوان 2008
بداية عودة الحياة
بداية عودة الحياة لوسط المدينة حيث فتحت بعض الدكاكين واشتغلت بعض المخابز كما عاد الموظفون إلى عملهم وبقيت حالة الحذر ترافق تنقلات المواطنين تحسبا لأي طارئ وقد علمنا أن هذه الحالة مستمرة إلى حد يوم 11 جوان عند كتابة هذه التغطية. أخيرا لا يسعنا إلا أن نعيد الجملة التي رددها الكثير على مسامعنا " شوفوا الرديف وش جاري فيها "
ما حقيقة ما جاء في البلاغ الرسمي ؟
رغم الإجابات التي حصلنا عليها من بعض شباب المدينة فقد حملنا سؤالنا لأعضاء لجنة التفاوض مستفسرين حول " الموليتوف " والإنذار الذي سبق استعمال الرصاص فجاء التأكيد من السادة عدنان حاجي وبشير لعبيدي وعادل الجيار على أن الحركة الاحتجاجية بالرديف انطلقت سلمية وستظل كذلك وعلى أنهم لم يسمعوا ولم يشاهدوا أي زجاجات حارقة استعملت ضد الأمن أو المؤسسات يوم 06 جوان وأنه لا وجود لإنذار قبل استعمال الرصاص وقد أشاروا بإصبع الاتهام إلى جهات نافذة يرون أن لها مصلحة في إخراج الاحتجاجات عن طابعها السلمي ودعوا إلى فتح تحقيق في الأحداث الأخيرة حتى لا تمر بدون محاسبة وقد طالبوا بسحب فرق التدخل التي أصبحت عنصر احتقان وجزء من الأزمة بالمدينة.
عمر قويدر
الطريق الجديد العدد 84 من 14 إلى 20 جوان 2008

ليست هناك تعليقات: