27‏/05‏/2009

ندوة بيئية بنفطة


ندوة بيئيّة بنفطة:
حماية البيئة بالواحات و دورها في مقاومة التصحّر.

كانت مدينة نفطة واحدة من أبرز نقاط الجذب في السياحة الصحراويّة لما احتوت عليه من مقوّمات طبيعيّة جمعت الواحة بالصحراء والمعمار بعراقة المكان وخلفيّته الروحيّة غير أنّ عدّة عوامل بيئيّة وبشريّة جعلت ذلك البريق يتراجع مسدلا على المدينة في السنوات الأخيرة جوّا من الكساد السياحي والتدهور البيئي الذي تصدّره غور عيون الماء الطبيعيّة التي كانت تغذّي وادي نفطة وبالتالي تآكل جماليّة الواحة الشيء الذي استرعى اهتمام ثلّة من أبناء نفطة المقيمين بالعاصمة ليؤسسوا "الجمعيّة المحليّة لحماية البيئة بنفطة " برئاسة أخصّائي القلب الدكتور محمّد نجيب الزرقوني والتي حدّدت هدفها في استعادة المفقود من جماليّة نفطة في المجال البيئي والإيكولوجي وقد نظمت يوم السبت 16 ماي الماضي ندوة علميّة بنزل الكرفان سيراي بنفطة تحت عنوان " حماية البيئة بالواحات ودورها في مقاومة التصحّر " للوقوف على أهمّ مشاكل واحة نفطة والبحث في سبل التدخّل للحدّ من المخاطر التي تتهدّدها. وقد حضر هذه الندوة كلّ ممثلي السلطة الجهويّة والمحليّة الإداريّة منها والحزبيّة في مشهد خلناه انتهى منذ زمن بعيد ليترك النشاط الجمعياتي البنّاء والهادف في منأى عن الاحتواء السياسي ويفسح المجال لأهل الاختصاص والخبراء متحرّرين من كلّ الضغوط في تشخيصهم للواقع الموضوعي بعيدا عن التزويق ولغة الانجازات الفريدة وغير المسبوقة التي لا تعترف في عرف الحزب الحاكم بالنسبيّة والتقصير ...
وفي كلمته الافتتاحيّة فتح الدكتور الزرقوني رئيس الجمعيّة باب أمل كبير للوضع البيئي بنفطة معدّدا المشاريع الطموحة للجمعيّة مركّزا على مشروع "شمس نفطة" الذي أعلن عنه في وقت سابق وعقدت من أجله ندوة علميّة مشابهة بتونس العاصمة حيث ينتظر أن يوفّر هذا المشروع الواعد احتياجات فلاّحي نفطة من الطاقة الكافية لتشغيل آبار الماء في ضيعاتهم عبراستغلال الطاقة الشمسيّة وهو ما سيخفّف معاناة الفلاّحين من ارتفاع كلفة الكهرباء غير أنّ تحقيق هذا المشروع وتمويله لا يزال ينتظر الدّفعة الضروريّة من الدّولة والجهات المانحة فضلا عن التشريعات الضروريّة المنظمة لمجال استغلال الطاقة الشمسيّة .
وأعطيت الكلمة للسادة المحاضرين فاستهلّها السيّد فاضل المهيري عن مركز تونس الدّولي لتكنولوجيا البيئة مقدّما بسطة مفصّلة عن اختصاصات ومهام هذا المركز الذي تأسس سنة 1996 محدّدا غايته في تكوين شبكة خبراء في الميدان البيئي لمعالجة كل ما يخصّ البيئة من نقل للتكنولوجيات البيئية ومساعدة الصناعيين في معالجة نفاياتهم عارضا عديد الشهادات الدولية التي تحصل عليها المركز وموضحا مجالات تدخّله في مجال مقاومة التصحّر وإعداد الدراسات البيئية اللازمة لبعث المشاريع في الواحات وتصنيع التمور.
وتناول الكلمة السيّد حلمي صمارة المكلّف بمشروع بيئي بواحة سوق الأحد بقبلّي بشراكة بين الوكالة الألمانية للتعاون الفنّي GTZ والجمعيّة المحليّة للتنمية بسوق الأحد ويتمثل في تنشيط برنامج محلّي لمقاومة التصحّر يشمل تصريف مياه النزّ وتحسين مردودية التربة ودعم التنوّع البيولوجي بإحياء أنواع أخرى من النخيل إلى جانب استغلال فواضل النخيل في استخراج وتصنيع أعلاف وأسمدة .
أمّا السيّد عبد المجيد القادري الخبير الفلاحي فقد قدّم مداخلة قيّمة حول المنظومة الواحيّة ومكوّناتها والأبعاد التنموية للواحات في إطار الاهتمام المتواصل بمسألة التنمية المستديمة .
وأتيحت الكلمة للمداخلة الختاميّة التي قدّمها الدكتور أحمد النمصي (أصيل نفطة ) حول مخاطر ظاهرة تكسّر سعف النخيل الذي قدّم أرقاما مفزعة عنه حيث تبلغ الإصابات على المستوى الوطني قرابة 60 ألف نخلة نصيب نفطة منها 35 ألف إصابة منحصرة كلها تقريبا في منطقة رأس العين التي تعتبر المعلم السياحي الأهم في مدينة نفطة غير أنّ المحاضر قد طمأن الجميع إلى تقلّص هذه الظاهرة التي كانت تعدّ مرضا وذلك نتيجة البحث العلمي المكثّف الذي جرى حولها في مركز بحوث النخيل بدقاش والتدخّل الحاصل لإنقاذ منطقة رأس العين في نطاق شراكة بين وزارة البيئة ووزارة الفلاحة ونادي اليونسكو والألكسو بتوزر وإمارة موناكو والذي مكّن من توفير الماء وتنظيف الواحة الشيء الذي قلّص من ظروف انتشار الظاهرة وبداية تراجعها .
الثقافة البيئية
وقد فتح باب النقاش فثمّن الجميع مجهودات الجمعيّة والقائمين عليها وتركّزت تدخّلاتهم واستفساراتهم حول ضرورة نشر الثقافة البيئية في الوسط المدرسي وعقد شراكات بين الجمعيّة ونوادي البيئة بالمدارس والمعاهد كما تساءل البعض حول سبل الحدّ من تدهور الوضع العقاري بالواحة وتشتت الملكيّة بها مما يعوق جهود الاستصلاح ودعا البعض إلى ضرورة تعاون جميع الأطراف من فلاحة ومجامع مائية وبلديّة للتخلّص من التلوّث والفضلات في الواحة وأشاد أحد المتدخّلين بالدعوة التي وجهت إلى الاتحاد المحلّي للشغل بنفطة لتشريك كل فعاليات المجتمع المدني في هذه الجهود البيئية وأثار مشكلة ارتفاع كلفة الماء التي يعاني منها الفلاّحين وإمكانية تدخل بعض الجهات للتخفيف من تلك الكلفة وطالب أحد المتدخّلين بدعم الحزام الغابي حول مدينة نفطة واستغلال المياه المعالجة لسقي ذلك الحزام كما أجمعت كل التدخّلات على ضرورة مساندة الجمعيّة من طرف المجامع المائية والفلاّحين وكل مكوّنات المجتمع المدني بنفطة حتّى تقوم بمهامها بنجاعة أكثر .
لقد شكّلت هذه الندوة فرصة ثمينة لمناقشة واقع واحة نفطة المتردّي ليس فقط لأسباب بيئيّة بل لأسباب بشريّة يتصدّرها سوء إدارة العديد من الجمعيات المائيّة وضعف الحماية للفلاّحين الصغار الذين غالبا ما يكونون فريسة لكبار سماسرة التمور إلى جانب انعدام المبادرة في التعاطي مع الواحة كمصدر متنوّع للاستثمار بعيدا عن التعاطي الأحادي معها كمخزن للتمور فقط في غياب روح المبادرة لبعث مشاريع تحويليّة تستثمر فواضل النخيل والتمور لتكون الواحة كما كانت مصدر استقرار وتنمية مستديمة .
عمر قويدر
الطريق الجديد العدد 129 من 213 إلى 29 ماي 2009

ليست هناك تعليقات: