19‏/01‏/2009

عائلات تستغيث ، فهل من مجيب ؟













عائلات تستغيث فهل من مجيب ؟
في إطار متابعتنا للأوضاع بالحوض المنجمي وفي محاولة لرصد مواقف الأهالي من الأحكام الصادرة عن الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بقفصة يوم الخميس 11/12/2008 في القضية التي أحيل بمقتضاها أبرز معتقلي الحركة الاحتجاجية التي شهدتها مدينة الرديف اتصلنا ببعض العائلات لكي نتعرف على آراءهم وردود أفعالهم وقد اصطدمنا بتبعثر الأمور لدى بعض العائلات التي مازالت لم تستفق من صدمة الأحكام الصادرة في حق أبنائها حتى حلت بها مآسي أخرى تمثلت في سلسلة الاعتقالات التي طالتهم صبيحة السبت 13 ديسمبر 2008 إثر الاحتجاجات التي جدت ببعض أحياء مدينة الرديف مساء الجمعة 12 ديسمبر 2008 . فماذا حدث بالرديف ؟ وماذا قال الأهالي عن تلك الأحداث وتلك الأحكام ؟
احتجاجات
انطلقت تحركات احتجاجية مساء الجمعة 12 ديسمبر 2008 حوالي الساعة الثامنة مساء بأحياء "المغرب العربي" و"النزلة" و"القارة" و"الملاجي" بمدينة الرديف وذلك احتجاجا على الأحكام الصادرة مساء الخميس 11 ديسمبر 2008 في حق ثمانية وثلاثين معتقلا من معتقلي الحوض المنجمي والمتراوحة بين عامين مع تأجيل التنفيذ، و10 سنوات مع النفاذ. وقد تعرضت وكالعادة للقمع من قبل القوات الأمنية التى تدخلت بالغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين الذين رفعوا شعارات مطالبة بإطلاق سراح المساجين، ورغم أن الاحتجاجات لم ينجر عنها أي ضرر بالممتلكات لا العمومية ولا الخاصة كما أفادتنا بذلك مصادرنا فإن القوات الأمنية باشرت سلسلة اعتقالات فجر يوم السبت 13 ديسمبر 2008 حوالي الساعة الثالثة صباحا ووقع إيقاف كل من الأخوين عمر حليمي وموسى حليمي ـ أستاذان ولهما شقيقان بالسجن هما طارق حليمي حكم بـ 10 سنوات وهارون حليمي حكم بـ 6 سنوات ـ والأخوين الناصر عميدي ولحمادي عميدي ـ شقيقا سامي عميدي حكم بـ 6 سنوات ـ والإخوة جهاد ملكي وماهر ملكي ونزار ملكي ـ حكم إثنان منهما بـ 10 أشهر وخرجا بعد صدور عفو إثر قضائهم 5 أشهر سجنا ـ وكذلك عثمان بن عثمان ـ حكم بسنتين سجنا مع تأجيل التنفيذ وهو شقيق الطيب بنعثمان الذي حكم بـ 10 سنوات ـ وعبد الله فجراوي ـ الذي حكم بسنتين مع تأجيل التنفيذ ـ وقيس ماجدي وعبد السلام بن علي ومحمد الزنيدي وأحمد بن أحمد ورؤوف السويلمي (هذه قائمة أولية للذين تمكنا من معرفتهم من خلال عائلاتهم ). اعتقالات رفعت من درجة الاحتقان وزادت من تعمق الأزمة وأظهرت إصرارا لا مبرر له حسب رأينا على مواصلة التعاطي الأمني والقضائي مع قضية اجتماعية لم يتجاوز سقف مطالبها الشغل والتنمية والكرامة.
جمعة الجلابي :هل يراد لنا الرضوخ إلى لأمر الواقع ؟
مع كل احتراماتي للقضاء التونسي الذي كنت آمل أن ينصفنا ويبين حق المساجين المظلومين وهم أبناء الرديف لكن للأسف الخميس الماضي 11 ديسمبر مثلوا أمام المحكمة وكنّا جميعا متفائلين واثقين من براءتهم آملين أن المحكمة ستحررهم من سجنهم وترفع عنهم المظلمة بعد استنطاقهم والدفاع عنهم من طرف المحامين الذين شرفوا القضاء الواقف وشرفوا تونس بوقفتهم الباسلة وقد أصروا أن لا يقع تجاوز القانون داخل المحكمة ولكن للأسف تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، ما حصل حقيقة لم يكن ما يجب أن يكون بقاعة محكمة رمز العدالة معلق على جدارها فقد كان العدد المهول من البوليس المتواجد بالقاعة يوحي بأنك في ثكنة ولست في قاعة محكمة ، لقد حضر المتهمون وعدد كبير من المحامين وعدد قليل من عائلات المساجين ـ فرد واحد من كل عائلة ـ لتتسع المحكمة لأعوان البوليس الذين حضروا ومثلوا كل الفرق الأمنية ، بدأت الجلسة فتدخل أربعة محامين فقط من جملة 100 محامي تقريبا ، بعدها تمسك القاضي برفض طلباتهم والمرور إلى استنطاق المتهمين ولمجرد أن أحد المحامين أراد التدخل رفعت الجلسة وأعيد المتهمون كل إلى سجنه وفي ساعة متأخرة من الليل حوالي الساعة العاشرة أعيد المتهمون ثانية إلى قاعة المحكمة وحضر المحامون ، وأمام إصرار القاضي على المرور مباشرة للاستنطاق ، والمحامون على التأجيل للاستماع للشهود و عرض المتهمين على الفحص الطبي وعرض المحجوز كاملا وبصفة قانونية داخل المحكمة لجأ القاضي مرة أخرى لرفع الجلسة وهكذا أسدل الستار على أول فصل من فصول المشهد الدرامي ليتم إصدار الأحكام والقاعة خالية ، لقد حكموا بمفردهم وردوا على أنفسهم أما نحن عائلات المساجين فقد انتظرنا بعيدا عن قاعة المحكمة التي طردنا منها شر طردة حتى وصلنا خبر الأحكام الفاجعة التي لم يكن حتى أكثرنا تشاؤما ينتظرها وهو ما تسبب في ردود فعل طبيعية ترجمت في احتجاجات ليلة الجمعة 12 ديسمبر 2008 حيث خرج أبناء الرديف إلى الشارع ليعبروا عن رفضهم للأحكام إنني كزوجة حكم على زوجها بـ 10 سنوات بطريقة سيحكم عنها التاريخ وأصحاب الاختصاص أقول أني لم أفقد الأمل وأن أملي كبير في تدخل ينهي هذه المهزلة ويعيد للحق مكانته لأنني أعتقد أنه لا يمكن الزج بشباب الرديف برمته بالسجن هذا الشباب الذي لم ولن يرضى بأن يبقى عدنان ورفاقه بالسجن ظلما لأنهم الأكثر علما بمعدن هؤلاء الرجال الذين ضحوا من أجل حق أهلهم .
عبد الرزاق الجيار : نحن في انتظار العفو
في اتصال بالسيد عبد الرزاق الجيار شقيق عادل الجيار أكد لنا أنه وكامل العائلة لم يكونوا مهيئين لمثل هذه الأحكام التي نزلت على العائلة نزول الصاعقة حيث صرح للطريق الجديد أنهم كعائلة كانوا ينتظرون الإفراج على دفعة ثانية اثر جلسة الخميس 11 ديسمبر على أن يتواصل الإفراج في جلسات أخرى ولكن ما جرى وما رافق الجلسة زاد في حيرتهم وخوفهم على مصير ابنهم عادل الذي كان يستعد للزواج عندما زج به في السجن ـ الصائفة الماضية ـ والسيد عبد الرزاق يؤكد أنهم كعائلة لها سجين وكبقية عائلات المساجين هم في انتظار عفو يغلق هذا الملف ويعيد البسمة لأهالي الرديف شيبا وشبابا
فاطمة بن عثمان : تدخلوا قبل فوات الأوان
بادرت الآنسة فاطمة بن عثمان شقيقة الطيب بن عثمان حكم بـ 10 سنوات وعثمان بن عثمان الذي أفرج عنه بعد أن حكم بسنتين مع تأجيل التنفيذ بالاتصال بنا فجر يوم السبت 13 ديسمبر 2008 لتعلمنا أن قوات أمن قد اقتحمت منزلهم وانتزعوا أخوها عثمان المريض أصلا والمنهك من جراء المدة التي قضاها في السجن من فراشه وأخذوه معهم ... تحدثت لنا بألم كبير وبمرارة الأخت الملتاعة المستغيثة ، وفي اتصال ثاني روت لنا تفاصيل الإقتحام الذي تعرض له منزلهم والحالة الصحية التي كان عليها شقيقها عثمان قائلة " كنا بصدد الاستعداد لنقله إلى مصحة أو إلى المستشفى لأنه كان يعاني من آلام كبيرة في مستوى أضلاعه ولم يكن طبيعيا لا في نومه ولا في سلوكه جراء ما تعرض له في سجنه " وكانت تسأل قائلة " ماذا نفعل ؟ هل نترقب حتى يعود إلينا معاقا لا قدر الله ؟ أرجو أن تساعدوننا " وقد أكدت الآنسة فاطمة أن شقيقها عثمان لم يشارك في احتجاجات الجمعة وأنه أصلا لم يكن قادرا على ذلك وأنه كان يلازم البيت منذ خروجه من السجن أما فيما يخص تعليقها على الأحكام الصادرة في حق شقيقيها فقد صرحت لنا أنها وكامل العائلة لم يصدقوا إلى الآن أنه يمكن أن يزج بابنهم المعلم وعضو النقابة الأساسية للتعليم الأساسي لمدة 10 سنوات بالسجن ظلما ، داعية إلى تدخل سريع لإيجاد حل يعيد المظلومين إلى أحضان عائلاتهم وينهي هذه الأزمة قبل فوات الأوان، فما يعانونه الآن يفوق طاقة الاحتمال حسب قولها.
عائلة ملكي و زوّار الفجر....
في حالة من الذهول والصدمة أفادتنا الآنسة زبيرة ملكي بما عاشته العائلة من هلع ورعب غداة اعتقال أشقائها الثلاثة من طرف أعداد غفيرة من أعوان الأمن حيث ذكرت بحرقة عبّرت عنها بنبرة هي مزيج من الخوف والشكوى أنّ زهاء الخمسة عشر عون أمن بالزيّ المدني والرسمي قد داهموا منزلهم بطريقة فضّة في حدود الساعة الثالثة والنصف فجرا ليعتقلوا أشقاءها الثلاثة (جهاد ملكي المعتقل السابق والمحكوم بعشرة أشهر سجنا وماهر ملكي المعتقل السابق أيضا والمحكوم بأحد عشر شهرا سجنا واللذين أطلق سراحهما بعد قضائهما خمسة أشهر من العقوبة في إطار عفو) وقد ألحق بهما شقيقهما نزار ملكي لتعيش العائلة حالة نكبة حقيقية وسط توسّلات الأخت وهي تستصرخ وتؤكد عدم مشاركة أشقّائها في أحداث ليلة الجمعة 12/12/2008 , وما يزيد المشهد دراميّة وفظاعة هو تعنيف الأب محمد المولدي بن الجيلاني ملكي الذي قام فزعا من نومه محاولا التمسّك بأبنائه والحيلولة دون اعتقالهم فلاقي نفس ما لاقته ابنته من تعنيف وإهانة حيث لم يحترم فيها زوّاره سنّه وحرقته على أبنائه ويترك وعائلته يتخبّطون في قهرهم و قلّة حيلتهم لا أمل لهم إلاّ في أصحاب الضمائر الحيّة ونشطاء المجتمع المدني ليقفوا إلى جانبهم في محنتهم ومحنة مدينتهم التي يبدو أنّها تزداد تعقيدا باستمرار النهج الأمني المتصلّب الذي لا يرى في غير القبضة الحديديّة آلية لحلّ القضايا الاجتماعيّة والمطلبيّة .
السيدة هادية بن علي : في انتظار العفو
السيدة هادية بن علي حرم طارق حليمي عضو النقابة الأساسية للتعليم الأساسي ـ حكم بـ 10 سنوات ـ ورغم الحالة التي كانت عليها إثر اعتقال شقيقي زوجها عمر حليمي وموسى حليمي واللذان أفرج عنهما فيما بعد فقد عبرت لنا عن شديد دهشتها للأحكام الصادرة في حق زوجها وشقيقه مؤكدة قناعتها ببراءتهما من التهم الموجهة لهما ، فالعائلة كما جاء على لسانها "تربت على نبذ العنف ولا يمكن أن يكون أحد أفرادها طرفا في ممارسته " وهي مازالت لم تفقد الأمل لأن رئيس الدولة حسب قولها لن يرضى لهم التشرد وستبقى في انتظار تدخل كريم لإنهاء مأساتها وإعادة زوجها وشقيقه وكافة شباب الرديف إلى بيوتهم لأنها ترى أن الوضعية التي هم عليها الآن لا يمكن تحملها لولا الأمل الذي يراودهم.
انطباعات السيّدة ليلى خالد حرم السجين بشير لعبيدي "زوجي وابني مؤمنان بعدالة قضيتهم"
قد لا أكون الأكثر مصابا من بين أخواتي أمّهات و زوجات السجناء لكننّّي الأكثر حسرة وألما على ما صدر بحقّ زوجي وابني من أحكام فضيعة لا تتناسب إطلاقا مع ما قاما به في خضم الحركة الاحتجاجيّة فزوجي كان إلى جانب رفاقه صوت حكمة وتعقّل في جنوحه الدّائم إلى الحلول السلميّة ودعواته المتكرّرة إلى التهدئة بل وكان مفاوضا مرنا مع السلطة لإيجاد المخارج المناسبة للأزمة بعيدا عن التعجيز أو العدائية فتوصّل مع رفاقه إلى تحقيق عديد المكاسب في صالح المعطّلين والسلم الاجتماعيّة في مدينة الرديّف غير أن ّإرادة الحسم الأمني التي ترى الأمور من زاوية الانتقام والتشفّي هي التي تغلّبت وكان جزاء العقلاء هذه الأحكام التي لا تصدر في حقّ عتاة القتلة بل ما زاد في ألمي الوضع الصحّي لزوجي الذي فقد عشرين كيلوغراما من وزنه وهو يعاني الآن من اضطرابات مقلقة في صحّته وما يعيشه بعد هذه الأحكام من ضغط نفسي و شعور بالإحباط وهو المعلّم الذي ربّى الأجيال والذي ينتظر تقاعده ليستريح من مهنة المتاعب ليجازى عن إيمانه بحقّ أبناء بلدته في الحياة الكريمة بكلّ هذا الحقد المجسّم في هذه الأحكام التي صدرت في إطار محاكمة وقع إجماع كل من حضرها على خلوّها من كل مقوّمات المحاكمة العادلة لا في الإجراءات الشكليّة ولا في الأحكام .ورغم هذا فإنّ معنويات زوجي وابني مرتفعة جدّا لأنّهما على يقين من عدالة قضيّتهما وهو ما يهوّن من مصابي بالإضافة إلى الوقفة الرّائعة من فريق الدفاع ومن نشطاء المجتمع المدني الأحرار من نقابيين و سياسيين و حقوقيين هؤلاء الذين نعوّل على جهودهم في تبنّي قضيّتنا ومتابعتها وحشد الطاقات الصادقة للضغط من أجل الإفراج عن المساجين في أقرب الآجال و رفع المظلمة عن مدينة الرديّف الصابرة وكل منطقة الحوض المنجمي لننعم كغيرنا من التونسيين بالدفء والحق في العيش بكرامة ..
سراح شرطي وإحالة على القضاء
تم مساء الاثنين 15 ديسمبر الإفراج عن عمر حليمي وماهر ملكي وعبد السلام بن علي ومهند بوزيان وأحمد بن أحمد ولحمادي عميدي على أن يمثلوا في حالة سراح أمام المحكمة الإبتدائية بقفصة الدائرة الجناحية الثانية يوم الجمعة 19 ديسمبر 2008 مع بقية الموقوفين بالتهم التي أصبحت شبه علامة مسجلة لأهالي الحوض المنجمي وهي تعطيل حركة الجولان والإضرار بملك الغير وإحداث هرج وتشويش بالطريق العام وهضم جانب موظف ... مسار نعتقد أن المراهنة عليه لن يزيد الوضع إلا تأزما واحتقانا ، فإلى متى ستواصل السلطة في مقاربتها الأمنية والقضائية في التعامل مع الوضع في الحوض المنجمي ؟ ألم يحن الوقت بعد للاعتراف بالأسباب الحقيقية وراء هذه الأزمة ؟ إننا نعتقد أن مصلحة البلاد والعباد تستدعي العودة إلى المعالجة الهادئة المبنية على الحوار والبحث الجاد على الحلول الممكنة للتخفيف من حالة التهميش التي تعيشها منطقة الحوض المنجمي والابتعاد عن الحلول الأمنية والقضائية التي لن تحل المشكل حسب رأينا.
عمر قويدر
الطريق الجديد عدد 107 من 20 إلى 26 ديسمبر 2008

ليست هناك تعليقات: